تزوج سيدنا محمد - صلوات الله وسلامه عليه - من السيدة عائشة بنت ابي بكر الصديق - رضي الله عنها - وهو اكبر منها باكثر من اربعين عاما.
ومع ذلك كانت احب نسائه اليه ، وكان المصطفى أعظم حب في حياتها . وكان يحلو للسيدة عائشة ان تقول : فضلت على نساء الرسول بعشر : كنت احب نسائه إليه . وكان ابي احب رجاله اليه ، وتزوجني لسبع . وبنى بي ( اي دخل بها ) لتسع . ونزل عذري من السماء ( حادثة الأفك ) . واستأذن نساءه كي يمرض في بيتي ، وكان آخر زاده ريقي . ومات بين حجري ونحري ، ودفن في بيتي ، وكنت اكثر نسائه رواية لأحاديثه .
وكانت عائشة محقة في كل ماذكرته، فان اللحظات الاخيرة لحياة سيد الخلق والمرسلين انقضت وهو مسند رأسه على صدرها . فكانت اسطورة حب في رق منشور . وكانت الحمى اللعينة داهمت النبي - عليه الصلاة والسلام - وهو في بيت ميمونة بنت الحارث آخر زوجاته . وفي اللحظة التي بدأ فيها جسد الرسول الأعظم يتصبب عرقاَ سمعت عائشة هاتفاَ يناديها أن تذهب إليه في بيت ميمونة ولم تكن عادة زوجاته ان يلحقن به في بيت واحدة منهن.
وصدق حدس ام المؤمنين، ففي اللحظة التي وصلت فيها كان نبينا يطلب من ميمونة ان تستدعيها . فغير عائشة لم تكن من نسائه من تحس وجعه وتعرف ماذا يعني ان يقول المصطفى ان للموت سكرات ! ثم بدأت زوجاته يتوافدن بالهاتف ذاته الذي نادى عائشة . والتفت الرسول إليهن قائلاَ: لن استطيع التردد عليكن ، وارجوا ان تأذنّ لي ان ابقى عند واحدة منكن ، فقالت له ام سلمة : عرفنا من تريد .. تريد عائشة وقد أذنا لك!
وبالفعل كان نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - يريد ان يقضي لحظاته الاخيرة في بيت عائشة . فإنها لم تكن زاده فحسب ، بل ترياقه ، ومتكأه وظله واستراحة جهاده ، وفي اللحظات التي بدأ يحتضر فيها كانت عائشة إلى جواره وفي فمها مسواك ، وكان في الغرفة ثلاثة رجال آخرون . بينهم ابو بكر الصديق ، فاستأذنهم ليبقى مع عائشة وحدها ، وبعد خروجهم وضع رأسه على صدرها وطلب منها مسواكها ووضعه في فمه ، وفاضت روحه وهو بين يديها ، وكانت تلك في حد ذاتها رسالة لامة المسلمين تقول ان حب الرجل لزوجته من خصائص الاتقياء والاصفياء والانبياء .
وتعجب حين تعرف ان رسولنا الاعظم هو الانسان الوحيد الذي استأذنه ملك الموت كي يدخل إليه ويقبضه ، وكان بامكان رسولنا ان يختار لحظة خروج الروح ساجداَ او راكعاَ ، لكنه اختار الموت على صدر من يحب ، واختار الموت وهو يوصي امته بأمرين : الصلاة والنساء.
والسيدة عائشة احبت رسول الله بكل تعلق المحبين وهيام العاشقين واخلاص المتزوجين ، واحبته بانبهار التلميذة ، وغيرة الانثى ، وبسبب غيرتها عليه عاتب الله عز وجل رسوله في سورة التحريم " با أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم ".
ولهذه الآيه قصة : فان سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان يمر على ازواجه عصر كل يوم ليتفقد احوالهن . ولاحظت السيدة عائشة انه كان يطيل الجلوس بعض الشيء مع السيدة زينب بنت جحش ، وهذا صحيح والسبب فيه ان زينب كانت تحب العسل ، وكان لديها منه نوع يحبه الرسول فكانت تقدمه له مشروباَ حين يزورها، وكان الرسول بعد زيارة زينب يمر على حفصة بنت عمر ، ثم يأتي إلى عائشة . فاقنعت عائشة حفصة ان تقول للرسول حين يزورها : اشتم رائحة العرفج ، فماذا اكلت ؟ وحين يقول لها : اكلت عسلاَ عند زينب تقول له : جرست نحلة عرفج ، اي ان نحلة كانت تمتص رحيق العرفج ، والعرفج هو نبته لها رائحة قوية ، وبالفعل فعلت حفصة ماطلبته منها عائشة وما ان جاء الرسول إلى عائشة حتى قالت له الملاحظة نفسها ، فإذا به يقسم الا يأكل من عسل زينب مرة اخرى ، فانزل الله سورة التحريم التي عاتبه فيها على تحريمه ما احل الله له . وعتاب الله لرسوله لا يدخل في عداد الملامه ، بل في ما يعتبره اهل السنة (( خلاف الاولى )).
وكانت عائشة ، بكل صغرها عن رسول الله ، اكثر نساء العالم فقها وعلما ، وكانت كنزاَ في الادب ، وبحرا في الشعر ولم يعط الرسول شهادة لاحد في الفقه كما اعطاها لعائشة ( خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء ) وكان اصحاب رسول الله بمن فيهم والدها ابو بكر نفسه يعتبرونها مرجعاَ بعد وفاة النبي الاعظم، فكان عندها ينتهي الجدل ويتوقف المتمارون ، كان ذكاؤها حادا وذاكرتها قوية.وكان نزول الوحي على الرسول وهو في بيتها من اسباب فقهها.فانها لم تترك آيه الا وسألت عنها النبي ولم تستشكل عليها كلمة الا واستفسرت عنها. وهي التي وضعت منهج تفسير القرآن بالقرآن.فما ان يسألها احد عن تفسير آية حتى تشرحها له بآية في سورة اخرى.
كانت ام المؤمنين عائشة اكثر زوجات النبي ممازحة له وكانت اكثرهن دعابة وظرفاَ. فانها فاكهة مجلس نسائه،بوجودها تعبق في المكان روح لا تتجلى من دونها.ولهذا كانت نساءالنبي اذا اجتمعن اوفدن واحدة منهن لاستدعائها.وهذا لايحدث في عالم (الضرات) أبدا.ووصف النبي حضورها المميز بين النساء في مقولته الشهيرة (فضلها على النساء كفضل الثريد على الطعام) وقال فيها ابن اختها عروة بن الزبير ( ما رأيت اعلم من عائشة في الفقه اوالطب او الشعر)
ماتت السيدة عائشة في السادسة والستين من العمر وحتى آخر يوم من حياتها كانت تخرج الثوبين اللذين مات فيها الرسول فتضمهما إلى صدرها وتقول : ( ربي الحقني به ) وماتت بعد ان تركت للمسلمين آلاف الاحاديث الصحيحة وكانت رابع اكثر راو لاحاديثه - عليه الصلاة والسلام- ورحلت بعد ان تركت في السيرة اعظم قصة حب بين اعظم رجل في الوجود واحدى اعظم نساء الكون.. وليت علمائنا الافاضل يستنبطون لنا معالم الحب الكبير بين سيدنا محمد- صلوات الله وسلامه عليه - وعائشة - رضي الله عنها - حتى نعلم بعضنا ان الحب في الاسلام ليس حراماَ ، وان الرجل الذي بعثه الله فينا نبيا لم يكتف بتعليمنا الكتاب والسنة ، بل ترك لنا دروسا في كيف يموت الزوج المحب في حضن الزوجة المحبة