يقول رب العالمين في الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدون أهدكم..."
ثم يقول الله: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد
ذلك من ملكه شيئا، ولو كان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا".
يعني ذلك أن الله يقول: لو كلكم أنس وجن من أول آدم عليه السلام إلى قيام الساعة كنتم جميعا أتقياء ما زاد ذلك في ملكه شيئا،
لأن الله لا ينتفع بالطاعة إنما ينتفع بها العبد.
وكذلك لو كلكم من أول آدم عليه السلام إلى قيام الساعة كنتم فجارا "الإنس والجن"
ما نقص ذلك من ملكه شيئا لأن الله لا تضره معصية وإنما الذي يضر هو العاصي.
ثم يقول الله: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد –أي مكان واحد-
ثم سألوني لأعطيت كل واحد منهم مسألته ولا ينقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرض بيضاء غبراء لا معلم لها"،
أي ليست فيها معالم بارزة، وإنما هي مستوية "يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ".
الكل منتظر السؤال، فالكل مشغول بنفسه: ماذا سأقول لو سألني عن كل لحظةفي حياتي؟
الكل مشغول بمصيره ثم فجأة يأتي مخلوق ليشهد الحساب لأنه كان منتظرا لهذا اليوم منذ زمن بعيد.
قال الله: "يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ"،
لا تخافوا يا عبادي، فلن تخافوا ذلك اليوم لأنكم تعبتم من أجلي في الدنيا
وأنا أعطيكم الأمان في الآخرة. واسمع لجمال هذا الحديث القدسي:
"وعزتي وجلالي، لا أجمع على عبدي أمنين أو خوفين.. إن أمِنني في الدنيا أخفتُه يوم أجمع العباد..
وإن خافني في الدنيا أمّنتُه يوم أجمع العباد".
لذلك نستعرض القواعد التي يحاسب بها العباد يوم القيامة،
وعلى كل واحد أن يسأل نفسه أين أنا وهل ستكون هذه القاعدة سبباً في نجاتي أم خسراني وندمي؟
القاعدة الأولي:
أنه لا ظلم اليوم.. قال تعالى: "الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ".
وقال سبحانه: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ".
وقال: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَـرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَـرَهُ".
القاعدة الثانية:
لا يؤاخَذ أحد بذنب أحد. أي أنه لن يؤاخَذ أحد بسبب ذنوب غيره فليس له ذنب في ذلك. "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى".
ولكن هذه القاعدة لها استثناء يجب أن نحذره جميعاً،
أنه إذا كان أحد سبباً في معاصي الناس فسوف يحاسب على معاصيهم هذه،
فتخيل أنه سيحمل وزره وأوزار كل من عصى بسببه.. "وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ".
القاعدة الثالثة:
الحساب مكتوب وليس شفاهة. "وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا".
تخيل وأنتَ تقرأ وكل الخلائق يسمعون. فاجعل من الآن أعمالك صالحة حتى تفخر غداً بما تقرأ.
القاعدة الرابعة:
الحسنات تضاعف والسيئة تكتب بواحدة. قال الله تعالى: "مَنْ جَاءبِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا".
فمن غلبت سيئاته حسناته فمعنى ذلك أن سيئاته كانت عشرات أضعاف حسناته.
القاعدة الخامسة:
تبديل السيئات حسنات، لأن الله يقول: "إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا".
اللهم تُب علينا لنتوب واغفر لنا الذنوب
واحشرنا مع رسولنا الحبيب "صلى الله عليه وسلم"..